آثار التضخم الاقتصادي
لقد سمعنا في الآونة الأخيرة تكرار مصطلح التضخم الاقتصادي، وقد يتبادر إلى ذهنك ماهيته، إذ يشير مفهوم التضخم الاقتصادي إلى ارتفاع عام ومستمر في الأسعار على مستوى الاقتصاد ككل، وهو يختلف تمامًا عن مفهوم الارتفاع النسبي في الأسعار؛ فالارتفاع النسبي يحصل عندما تلاحظ ارتفاعًا في أسعار الرسوم الدراسية على سبيل المثال وانخفاض في أسعار الأجهزة الإلكترونية، أما التضخم فيعني ارتفاع الأسعار على مستوى الأسواق كلها، وللتضخم الاقتصادي عواقب كبيرة على الأفراد والشركات، ويؤثر على أدوارهم كمقرضين ومقترضين وعلى أصحاب الأجور ودافعي الضرائب والمستهلكين.
ويؤدي التضخم الاقتصادي إلى انخفاض قيمة المال أيّ أن أموالك لن تشتري اليوم ما كانت تشتريه في السابق، وعند ارتفاع أسعار البضائع فإن نفس المبلغ من المال سيشتري لك كمية أقل من البضائع، مما يؤدي إلى ارتفاع تكلفة المعيشة.
آثار التضخم الاقتصادي
قد يتبادر إلى ذهنك أن للتضخم الاقتصادي آثارًا سلبية فقط، ولكن في الحقيقة له بعض الآثار الإيجابية، ولكن أبرز الآثار السلبية أن أجور العمال لا تستطيع أن تواكب معدل التضخم في أسعار السلع، فتنخفض القوة الشرائية لتلك الأجور.
وتشكّل هذه المعضلة تحديًا كبيرًا للأسر ذات الدخل المنخفض ويترتب على ذلك عواقب وخيمة، ومن ناحية أخرى يمكن أن تؤدي مطالب العمال بزيادة أجورهم إلى زيادة تكاليف العمالة، مما يؤدي إلى انخفاض أرباح الشركات، وكل هذه الأمور تؤدي إلى تزعزع الاقتصاد مما يؤدي بدوره إلى انخفاض الاستثمار في البلد من قبل رجال الأعمال
في المقابل توجد نتائج إيجابية للتضخم الاقتصادي؛ فالاقتصاد بحاجة إلى مستوى ثابت من التضخّم، ويفهم الاقتصاديون أن التضخم المرتفع يشكل خطرًا إلا أن انخفاض التضخم أيضًا يشكل خطرًا حقيقيًا، فكما يؤدي ارتفاع التضخم إلى ارتفاع دائم في أسعار الفائدة يؤدي انخفاض التضخم إلى انخفاض دائم في أسعار الفائدة أيضًا، وأسعار الفائدة المنخفضة دائمًا تحدّ من قدرة الاحتياطي في الدولة على زيادة قوة الاقتصاد في الأوقات الحرجة والسيئة، مما يؤدي بدوره إلى فترات ركود اقتصادي طويلة وعميقة.
أسباب التضخم الاقتصادي
يوجد عاملان رئيسيان يدفعان الأسعار إلى الارتفاع ويسببان التضخم الاقتصادي؛ وهما زيادة تكاليف الإنتاج أو زيادة في الطلب على المنتجات والخدمات، ولكن توجد عوامل وأسباب أخرى قد تساهم في التضخم إلى جانب العاملين السابقين:
ارتفاع التكاليف
يحدث التضخم الاقتصادي عندما ترتفع تكاليف الإنتاج كالمواد الخام أو حتى الأجور، ومع أن الطلب على السلع لم يتغيّر لكن انخفضت السلع المعروضة بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها، ونتيجة لذلك تُعرض الخدمات أو المنتجات على المستهلكين بأسعار أعلى مما كانت عليه، ومن أبرز علامات التضخم ارتفاع أسعار السلع مثل النفط والمعادن لأنها مدخلات إنتاج رئيسية، كما تؤثر الأجور على تكلفة الإنتاج، فإذا كان الوضع الاقتصادي جيد ونسب البطالة منخفضة سيحدث نقص في العمالة وستضطر الشركات إلى زيادة الأجور لجذب العمال والموظفين، مما يتسبب في ارتفاع تكاليف إنتاج الشركة، وبالتالي إذا رفعت الشركة الأسعار بسبب ارتفاع أجور الموظفين سيحدث تضخّم زائد في التكلفة، ومن ناحية أخرى فالكوارث الطبيعية تدفع الأسعار إلى الارتفاع أيضًا إذا قضت الكارثة على محصول هام أو عامل رئيسي في الإنتاج.
زيادة الطلب
إن زيادة طلب المستهلك على خدمة أو سلعة ما تؤدي إلى التضخم؛ لأن زيادة الطلب تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وبالتالي حدوث التضخم، تحدث زيادة الطلب عندما ترتفع أجور المستهلكين وتنخفض نسبة البطالة فيزيد معدّل الإنفاق، كما أن للتوسع الاقتصادي تأثير كبير على مستوى إنفاق المستهلك، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على المنتجات والخدمات، فكلما ازداد الطلب انخفضت كمية المنتج وقلّ توفره، وهكذا سيكون المستهلك على استعداد لدفع المزيد للحصول عليه، وقد تلعب الشركات دورًا كبيرًا في زيادة الطلب وبالتالي في التضخم عندما ترفع أسعار منتجاتها بسبب إقبال المستهلك عليها واستعداده لدفع ثمنها مهما كان، ومن ناحية أخرى ترفع الشركات الأسعار على المنتجات الخاصة بالعيش اليومي كالنفط والغاز، فحاجة المستهلك لهذه المنتجات هو السبب الذي يعطي الشركة النفوذ لرفع أسعارها.
سوق الإسكان
تشهد أسواق الإسكان صعودًا وهبوطًا في الأسعار على مرّ السنين، فإذا ازداد الطلب على المنازل عندما يشهد اقتصاد بلد ما توسعًا فسوف ترتفع أسعار المنازل، ومن ناحية أخرى يؤثر الطلب على المنتجات والخدمات المتعلقة بالمنازل والتي تدعم صناعة الإسكان كمنتجات البناء؛ كالخشب والصلب والمسامير المستخدمة في المنازل وجميع المنتجات والخدمات الأخرى التي يحتاجها بناء المنازل، وبهذا ستشهد جميع هذه السلع والخدمات زيادة في الطلب، وبالتالي يحدث التضخّم نتيجة زيادة الطلب على سلعة ما؛ وهي منتجات البناء في تلك الحالة.
السياسة المالية التوسعية
إن السياسة المالية التوسعية التي تتبعها الحكومات قد تزيد من مقدار الدخل التقديري للشركات والمستهلكين، فإذا خفّضت الحكومة الضرائب ستنفق الشركات هذه الأموال التي كانت مخصصة للضرائب على تحسينات رأس المال أو على تعويضات الموظفين أو بتوظيف موظفين جدد، ويمكن للمستهلكين بهذه الحالة شراء المزيد من السلع وتلقي المزيد من الخدمات، كما يمكن للحكومات أن تلجأ إلى تحفيز الاقتصاد من خلال زيادة الإنفاق على مشاريع البنية التحتية، وتكون النتيجة زيادة الطلب على السلع والخدمات مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار وحدوث التضخم الاقتصادي.
أنواع التضخم الاقتصادي
توجد أربعة أنواع رئيسية من التضخم الاقتصادي وهي الأهم ومصنفة حسب سرعتها فيما يلي:
التضخّم الزاحف أو المعتدل: يحدث هذا التضخم عندما ترتفع الأسعار بنسبة 3% سنويًا على الأقل وعندما تزيد الأسعار بنسبة 2% أو أقل من ذلك، فهذا يفيد النمو الاقتصادي، وهذا النوع من التضخم يجعلك كمستهلك تتوقع استمرار ارتفاع الأسعار مما يعزز طلبك على المنتجات والخدمات تحسبًا لأي ارتفاع مستقبلي، وهذا السلوك من المستهلك يؤدي إلى التضخم المعتدل.
التضخم القوي أو المدمّر: يحدث هذا التضخّم عند ارتفاع الأسعار بنسبة 3-10%، وهذه الزيادة ضارة جدًا بالاقتصاد لأنه يزيد من النمو الاقتصادي بسرعة كبيرة، وسلوك المستهلك في هذا النوع يشبه سلوكه في التضخم المعتدل؛ أيّ أنك ستشتري مزيدًا من السلع لتجنب أسعار الغد المرتفعة أكثر، ويؤدي هذا السلوك إلى زيادة الطلب، تُسعّر السلع والخدمات بعيدًا عن متناول معظم الناس.
التضخم الجامح: يشهد هذا النوع من التضخم ارتفاعًا في الأسعار بنسبة 10% أو أكثر، ويلحق هذا النوع من التضخم الخراب والأذى بالاقتصاد، إذ يفقد المال قيمته بسرعة كبيرة جدًا ولا يستطيع دخل الموظفين بهذه الحالة مواكبة التكاليف والأسعار، مما يؤدي إلى إبعاد المستثمرين عن البلاد وحرمانهم من رأس المال المطلوب ويضطرب الاقتصاد ويصبح غير مستقرّ ويفقد قادة الحكومة مصداقيتهم في هذه الحالة.
التضخّم المفرط: يحدث التضخم المفرط عندما ترتفع الأسعار أكثر من 50% في الشهر، وهو أمر نادر الحدوث، ولكن يحدث هذا النوع عندما تطبع الحكومات الأموال لدفع ثمن الحروب، ومن أمثلة التضخّم المفرط ما حصل في ألمانيا في العشرينيات وفي زيمبابوي في العقد الأول من القرن الحالي.
مَعْلومَة
مرت معظم الدول حول العالم بفترات تضخم اقتصادي وفيما يلي بعض أبرز الأمثلة على التضخم الاقتصادي حول العالم والتي قد يهمك معرفتها:
المملكة المتحدة: التضخم الذي حصل في المملكة المتحدة في فترة ما بعد الحرب، ففي عام 1974 ميلاديًا بلغ معدل التضخم ذروته، إذ وصل إلى 25%، ويرجع ذلك بسبب ارتفاع أسعار النفط وارتفاع الأجور.
ألمانيا: من أمثلة التضخم المفرط نادر الحدوث التضخم الذي حصل في ألمانيا في عشرينيات القرن الماضي، إذ بلغ معدل التضخم 100 مليار%.
الولايات المتحدة: من أبرز الأمثلة على التضخم الاقتصادي كان في سعر الحليب في الولايات المتحدة عام 1913 ميلاديًا، إذ كلّف غالون الحليب حوالي 36 سنتًا، وبعد مائة عام في 2013 ميلاديًا ملّف غالون الحليب الواحد 3.53 دولار أي ارتفع سعر التكلفة بحوالي عشر مرات، وهذه الزيادة لا ترجع إلى ندرة وجود الحليب أو ارتفاع تكلفته بل على العكس تمامًا، ويعكس هذا السعر الانخفاض التدريجي في قيمة المال نتيجة التضخم.
زيمبابوي: حصل التضخّم الاقتصادي في زيمبابوي بين عامي 2008 و2009 ميلاديًا، إذ بلغ معدّل التضخم 79.6 مليار%، ويعادل هذا التضخّم زيادة في الأسعار بنسبة 98% في اليوم، وأثر كثيرًا على الحياة اليومية للناس وتضاعفت الأسعار.