تقنية الاندماج النووي تمهد لثورة الكهرباء النظيفة التجارية

تتزايد الآمال المعقودة على تقنية الاندماج النووي في توليد كميات هائلة من الكهرباء النظيفة التي يمكن استعمالها تجارياً عبر تغذية الشبكات بها بما يحقق أمن الطاقة للدول وتعزيز أهداف الحياد الكربوني.

تقنية الاندماج النووي

ويشير الاندماج النووي إلى عملية تندمج خلالها نواتان ذريتان خفيفتان لتكونا نواة ذرية واحدة أثقل وزناً وتلك التقنية هي المصدر للطاقة في الشمس وفي النجوم.

ويختلف الاندماج النووي عن الانشطار النووي الذي يحدث فيه انقسام نواة ذرة ثقيلة إلى قسمين أو أكثر وبهذه العملية يتحول عنصر معين إلى عنصر آخر وينتُج عن عملية الانشطار نيوترونات وفوتونات عالية الطاقة.

حقيقة علمية

ووفق صحيفة تليغراف (Teleghraph) البريطانية تحولت تقنية الاندماج النووي التجاري من مجرد خيال علمي إلى حقيقة علمية في أقل من عقد من الزمن.

وأعلنت شركة فيرست لايت فيوجن (First Light Fusion) البريطانية الأسبوع الماضي أنها حطمت الرقم القياسي العالمي للضغط في مختبرات سانديا الوطنية في الولايات المتحدة ليصل إلى 1.85 تيراباسكال أي أعلى 5 مرات من الضغط الواقع في قلب كوكب الأرض.

وقبل أيام من إعلان فيرست لايت فيوجن أكدت مجموعة من الأوراق البحثية أن شركة كومنولث فيوجن سيستمز (Commonwealth Fusion Systems) الواقعة قرب مدينة بوسطن قد حطمت الرقم القياسي العالمي لمغناطيس كبير الحجم بقوة مجال تصل إلى 20 تيسلا مستعملةً أحدث تقنية موصلية فائقة في درجات الحرارة العالية.

والتيسلا هي وحدة قياس المجال المغناطيسي ويعادل 1 تيسلا 1 ويبر لكل متر مربع علماً بأن رقم الـ 20 تيسلا يتجاوز الحد اللازم لإنتاج كهرباء صافية أو معامل جودة كيو فاكتور (Q factor) يزيد على 1.0.

وقال البروفيسور وعميد البلازما في معهد ماساتشوستس للتقنية إم آي تي (MIT) دينيس وايت “بين عشية وضحاها غيرت تلك التقنية التكلفة لكل واط من مفاعل الاندماج النووي بمعامل جودة يقارب 40”.

دور المغناطيسات

ويتم استعمال المغناطيسات لدمج نظائر الهيدروجين عبر ضغط البلازما الساخنة جداً داخل جهاز توكاماك – جهاز تجريبي مصمم لتحقيق الاستفادة القصوى من الطاقة الناجمة عن الاندماج النووي.

ويتعين أن تكون درجة الحرارة أسخن 10 مرات من سطح الشمس بهدف تكرار الاندماج الشمسي نظراً لأن المجال المغناطيسي للأرض أضعف بكثير جداً.

وتم صنع المغناطيسات القديمة ذات درجات الحرارة المنخفضة من سبائك النيوبيوم التي تعمل بالقرب من الصفر المطلق عند -270 درجة مئوية.

وتعمل المغناطيسات الجديدة على رفع درجة الحرارة من 4 كلفن (-269.15 درجة مئوية) إلى 20 كلفن (-253.15 درجة مئوية) باستعمال أكسيد النحاس الباريوم الأرضي النادر (ReBCO) بتصميم جديد.

وتجمع تلك المغناطيسات الجديدة بين الموصلية الفائقة والقوة المغناطيسية الكبيرة ما يَنتُج عنه تعزيز الزيادة في القدرة على الاندماج.

وقال الرئيس التنفيذي لشركة كومنولث فيوجن سيستمر “بوب مومغارد” إن تقنية الاندماج النووي المغيرة لقواعد اللعبة لم تكن موجودة تقريباً منذ 10 سنوات وكانت ما تزال في بدايتها قبل 5 سنوات.

وأضاف مومغارد: الطفرة تكمن في الموصلات الفائقة وتعني المغناطيسات الأكثر قوة أنه بمقدورنا بناء محطة أصغر بواقع 40 مرة.

تقنية الاندماج النووي تقنية وشيكة

ووفق استطلاع رأي أجراه منتدى تابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية يرى 65 بالمئة من الخبراء أن تلك التقنية ستولّد الكهرباء إلى الشبكة بتكلفة ميسورة بحلول أواسط العقد المقبل 2023 في حين يرى 90 بالمئة من الخبراء أن هذا لن يحدث قبل عام 2040.

وقالت جمعية صناعة الاندماج النووي إن 4 من أعضائها يعتقدون أنه من الممكن توليد الكهرباء بتلك التقنية وتوصيلها إلى الشبكة بحلول 2030.

وقال مجلس الدولة الصيني في تصريحات: إن الاندماج النووي الخاضع للرقابة هو الاتجاه الوحيد للكهرباء المستقبلية.

مشروع طموح

ويَلقى مشروع “كومنولث فيوجن” وهو فرع من مركز علوم البلازما والاندماج التابع لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا دعماً من قطبي الأعمال الأميركيين بيل جيتس وجيف بيزوس ونظيرهما البريطاني السير ريتشارد برانسون.

ويستهدف المشروع إنتاج أول بلازما خاصة بالشركة في العام المقبل 2025 والوصول إلى عامل جودة Q ثابت قدره 10 بحلول نهاية 2030 وهو مستهدف الكهرباء اللازم لاستعمالها تجارياً.

وفي هذا الصدد قال الرئيس التنفيذي لشركة كومنولث فيوجن سيستمز بوب مومغارد إن شركته تتطلع إلى تكاليف تتراوح بين 60 و80 ميغاواط/ الساعة مما يقلل من تكلفة الكهرباء المتجددة المتقطعة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع.

وتابع: بل ربما تكون أقل من ذلك فنحن لا نستعمل اليورانيوم كما لا يوجد خطر في حصول كوارث.

ولا تشبه الانبعاثات الإشعاعية نظيرتها من مفاعل انشطار اليورانيوم ما يعني أنه من الممكن بناؤها في أي مكان تقريباً ونشرها بسرعة.

مزايا قياسية لتقنية الاندماج النووي

وتكتسب تقنية الاندماج النووي جاذبيتها من قدرتها على توليد كهرباء أكثر بواقع 4 ملايين مرة من تلك المولدة بالوقود الأحفوري دون وجود انبعاثات ثاني أكسيد الكربون أو الميثان.

كما لا يَنتُج عن تلك التقنية أي نفايات على المدى الطويل تقريباً إذ يتمثل منتجها الثانوي الرئيس في الهيليوم الخامل.

ولا تتطلب تقنية الاندماج النووي أي أرض تقريباً ولا تستعمل سوى كميات قليلة من الماء كما لا يوجد خطر من حصول تفاعل متسلسل هارب ولا تستعمل تلك التقنية مواد انشطارية ولا جدوى منها في إنتاج الأسلحة.

وعلى النقيض من تقنية الانشطار النووي يُنتِج الاندماج النووي حرارة صناعية عالية الجودة للمساعدة في إزالة الكربون من الزجاج والأسمنت والصلب والأمونيا والهيدروجين وغيرها.