كيف يتم تحويل النفايات الصلبة إلى طاقة؟
تشكل المواد العضوية القابلة للاشتعال في النفايات الصلبة المنزلية أو الناتجة عن المدن أكثر من 60 % على الأقل وتصل إلى أكثر من 80% في المدن التي تخلو من مصانع إعادة التدوير للبلاستيك والورق وغيره بينما يكون الجزء المتبقي من النفايات عبارة عن معادن يسهل تدويرها مثل الألمنيوم والحديد, ويعتبر حرق هذه النفايات لإنتاج الطاقة مشروع ناجح على المستوى الاقتصادي والبيئي لأنه يحقق اكثر من هدف في نفس الوقت فهو يسعد في حل مشكلة النفايات ويقلل من فاتورة الطاقة المستوردة في البلدان غير المنتجة للنفط ويوفر فرص عمل ويرفع مستوى النظافة ويحسن من مستوى الصحة العامة في المدينة.
وتعد تقنيات تحويل تلك النفايات البلدية الناتجة عن المدن والمزارع وصناعات الأغذية إلى طاقة أفضل وسيلة لتقليل حجم النفايات وبالتالي تقليل المساحات التي يتم استغلالها في طمر تلك النفايات, فمثلا تحتاج النفايات إلى أكثر من 25 سنة لتتحلل في المكبات الصحية بينما يمكن أن تتحول الى رماد بحجم أقل بكثير خلال ساعات, أو إلى سوائل وغازات ومواد صلبة تستعمل كوقود نظيف, ناهيك عن الكم الهائل من المكبات العشوائية التي تنتشر في كثير من الدول النامية ومنها الدول العربية والتي غالباً ما يتم حرق النفايات فيها في الهواء الطلق أو تنتشر النفايات البلاستيكية منها نحو الأراضي الزراعية فتدمر بنيتها وتقضي على خصوبتها.
اليابان تتصدر
تتصدر اليابان حالياً دول العالم في نسبة النفايات التي تحولها إلى طاقة من مجموع النفايات الصادرة عن مدنها, وهناك مشاريع ريادية في كثير من الدول الأوروبية والصين والبرازيل في محاولة لتخفيف الضغط عن مكبات النفايات الصحية ولتوفير جزء من الطاقة اللازمة لتلك الدول وتعد النفايات حالياً ثالث مصدر من مصادر الطاقة المتجددة نمواً عبر العالم بعد طاقتي الشمس والرياح, وتساهم مع طاقة الكتلة الحيوية بأكثر من نصف الطاقة المتجددة المستخدمة عالميا, وعلى مستوى الوطن العربي هناك مشاريع تجريبية في كل من الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن وفي دول عربية أخرى لكن ما زالت مشاريع تحويل النفايات إلى طاقة في طور التجريب والإنشاء.
طرق تحويل النفايات الصلبة إلى طاقة
هناك عدة طرق يتم استعمالها حاليا في تحويل النفايات الى طاقة وهي
الحرق المباشر
الحرق المباشر للنفايات يتم في محارق خاصة على درجات حرارة تزيد عن 800 درجة مئوية لضمان عدم انبعاث الملوثات الغازية السامة إلى الهواء الجوي وهي أكثر طريقة مستخدمة في الدول التي تقوم بإحراق نفاياتها أظما للحصول على الطاقة بشكل أساسي أو لعدم وجود مساحات واسعة من الأراضي لعمل المكبات الصحية, وهذه الطريقة ليست حديثة فقد تم استخدامها منذ منتصف القرن التاسع عشر وتحديداً في عام 1847 في مدينة نوتنجهام البريطانية ومن ذلك الحين تطور تصميم هذه المحارق وزادت سعتها واستعملت في توليد كميات لا بأس بها من الطاقة الكهربائية في بعض دول العالم مثل السويد والدنمارك, ومن أهم المخاطر التي تحيط بهذا النوع هو احتمال تسرب بعض الغازات السامة مثل الديوكسينات والدقائق المعدنية الضارة, كذلك فهي تنتج كميات كبيرة من غاز ثاني أوكسيد الكربون الذي يصعب التخلص منه, ولذا تم تعديل تصميم كثير من مصانع حرق النفايات في العالم لتكون أقل إنتاجا للانبعاثات الغازية وهو ما جعل مردود الطاقة الناتجة من هذه المصانع قليلة نسبية حيث لا تتعدى 20%, كما أن أفران الحرق بحاجة دائمة إلى الصيانة التي تكلف مبالغ طائلة, لكن من أهم حسناتها أنها تقلل حجم بالنفايات بنسبة تزيد على 98%, وتعد اليابان الأولى عالمياً في هذا المجال.
التغويز
وهو من أحدث التقنيات وأكثرها رواجاً في مشاريع البحث التطويرية والتي تهدف إلى الاستغناء عن المحارق الصحية التقليدية والتي أصبح كثير منها لا يناسب الخطط الحالية والمستقلبية في إنتاج الطاقة من النفايات, وتقوم فكرة التغويز على تسخين النفايات إلى درجات حرارة مرتفعة جداً قد تصل إلى 6000 درجة بغياب الأوكسجين مما يؤدي إلى تفكك كافة السلاسل الكربونية المكونة للمواد العضوية وتحولها إلى غازات مثل غاز الميثان وغيره من الغازات الهيدروكربونية الخفيفة, أو إلى غازي ثاني أوكسيد الكربون والهيدروجين الذي يستعمل حالياً بكثرة في خلايا الطاقة التي تشغل محركات السيارات وأشهر طريقة يتم فيها إجراء التغويز هي قوس البلازما المتأين ذا درجات الحرارة التي تزيد عن 10000 كلفن وهذة الحرارة كافية لتكسير كافة الروابط الموجودة في النفايات وتحويلها إلى غازات.
ومن أهم ميزات التغويز أنه لا ينتج الرماد الذي يعتبر مشكلة أساسية في المحارق التقليدية كما أن مردود الطاقة من هذه العملية عالي مقارنة بتقنية الحرق المباشر, وما تزال كثير من مصانع إنتاج الطاقة بإستخدام التغويز محصورة في بعض الدول المتقدمة ولم تلق الانتشار الواسع.
الانحلال الحراري
أو التكسير الحراري ويتم لمنتجات البلاستيك من المبلمرات التي تتكون من سلاسل طويلة من مركبات هيدروكربونية خفيفة وإذا تم تعريض هذه المبلمرات الصلبة لحرارة وضغط عاليين بغياب الأوكسيجين فإنها تتكسر منتجة سوائل شبيهة بالوقود البترولي ويمكن أن تكون بديل ممتاز له في كثير من التطبيقات, ويمكن الاستفادة من الطاقة الضائعة في محارق النفايات في توفير الحرارة اللازمة للتكسير الحراري لمواد البلاستيك, كما يتم تطبيق تقنيات التكسير الحراري في إنتاج الفحم والوقود السائل والغاز من النفايات العضوية.
إنتاج الغاز الحيوي
من المعروف أن إنتاج الغاز الحيوي يتم حالياً من المكبات الصحية ولكن عملية الإنتاج تستغرق وقتاً قد يزيد على عشرين سنة وفي تلك المدة يتم إنتاج مليارات الأطنان من النفايات ولتسريع عمليات التحلل اللاهوائي التي تنتج الغاز الحيوي فقد تم إنشاء مصانع تعتمد على استعمال حرارة مرتفعة نسبيا لتحفيز الكائنات الدقيقة المسؤولة عن التحلل, وبذلك فإن العملية التي تحتاج إلى سنوات قد تتم في أيام قليلة وهذا يزيد من مردود الطاقة ويقلل الحاجة إلى مساحات واسعة من الأراضي لإنشاء مكبات جديدة.
وتعاني كثير من الدول العربية من ظاهرة المكبات العشوائية وتستعمل المحارق الصحية حالياً في غالبية هذه الدول لحرق النفايات الطبية فقط, وفي ظل فقر الطاقة الذي تعاني منه كل الدول العربية غير المنتجة للنفط فإنه من الضروري التفكير بمشاريع مستقبلية لتحويل ذلك الكم الهائل من النفايات إلى طاقة بدل أن تبقى عامل ضغط وإرهاق للأنظمة البيئية المختلفة في كثير من الحالات, وتعد أبوظبي من المدن العربية الرائدة في هذا المجال، وعلى المستوى العالمي فإن هناك مشاريع عملاقة في كل من الولايات المتحدة والصين والبرازيل والسويد واليابان حيث يوجد أكثر من 100 مصنع لتحويل النفايات إلى طاقة في الولايات المتحدة وأكثر من 500 في أوروبا وأكثر من 400 في اليابان وتخطط كل هذه الدول حالياً لتطوير اعتمادها على طاقة النفايات كما ونوعا وهو ما يجعل هذا المصدر المتجدد للطاقة ثالث أنواع الطاقة المتجددة من حيث النمو والمساهمة في إنتاج الطاقة.